الأرواح الطائرة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إلي كل روح طاهره نقيه ندعوها لمشاركتنا أفراحنا وأحزاننا


    رجل يشبه الضفدع

    shalal
    shalal


    عدد المساهمات : 87
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    رجل يشبه الضفدع Empty رجل يشبه الضفدع

    مُساهمة من طرف shalal الجمعة مارس 12, 2010 3:45 pm

    [size=12]رجل يشبه الضفدع[/size]

    في كوخ من الطين ذو سقف من الصاج بعيدا في إحدي مقاطعات جنوب غرب بنجلاديش سأل الفلاح الفقير ابنته ( هل تودين أن تري صورة للرجل الذي سوف أزوجك له الشهر القادم ؟ لقد طلبك مني اليوم ووافقت )
    هزت ( نازنين ) رأسها وأجابت ( آبا من الجميل أنك اخترت زوجي ، وأتمني أن أكون زوجة صالحة مثل آما )
    لكن عندما استدارت للانصراف لمحت من دون قصد مكان الصورة ، صارت تحمل الصورة معها دائما في رأسها بعد أن تأملتها طويلا ، وكانت تفكر وهي تتمشي عبر الحقول هذا الرجل سيكون زوجها قريبا ، إنه عجوز علي الأقل في الأربعين بينما هي في الثمانية عشرة من عمرها ، كان له وجه يشبه الضفدع ، سوف يتزوجان ويصطحبها معه عائدا إلي انجلترا .

    مقطع من رواية ( مونيكا علي ) ( شارع بريك لين ) وهو شارع في لندن في مقاطعة تور هامليتس يعيش فيه العمال البنغال في ظروف معيشية صعبة ، يعيشون علي أمل ادخار قدر من المال يمكنهم من العودة إلي وطنهم والاستقرار هناك بشكل مريح في بيت جيد ومستوي معيشة لائق بأولادهم ، ولكنهم غالبا ما يتسرب منهم العمر ويضيع الأولاد المتأثرين بالحياة الغربية التي يعيشون في ظلها ولا يعرفون غيرها إلا عبر ذكريات آبائهم وأمهاتهم عن الوطن والأجداد وهي غالبا أضعف من أن تؤثر فيهم أو تحميهم .

    رواية طويلة جدا مغرقة في التفاصيل الحميمة للجالية الآسيوية المسلمة في لندن تأتي كلها من وجهة نظر ( نازنين ) التي اختارت طيلة حياتها طريق الطاعة المطلقة والاستسلام وانتظار ما تأتي به المقادير عكس شقيقتها الجميلة ( حسينة ) المتمردة التي هربت مع من أحبت لتتزوجه دون موافقة أبيها والذي كان يتوعد بفصل رأسها عن جسدها بالفأس لو عثر عليها ولكنه مات دون أن يلقاها .

    حققت الرواية نجاحا كبيرا وإقبالا مذهلا من القراء وتم تحويلها إلي فيلم ويقول عنها النقاد أنها رواية مثيرة ولاذعة ومذهلة وحميمية ، ولأنني قارئة فقط ولست ناقدة فليس لدي ما أقدمه سوي بعض الملاحظات علي الجزء الأول من الرواية :
    أولا أنها مكتوبة بطريقة امرأة تحتفي بالتفاصيل التي تقضي النساء شطرا كبيرا من عمرها مشغولة بها ، العمل المنزلي اليومي وهو يعد بطلا في هذه الرواية كما هو بطلا رئيسيا في حياة كل النساء ، إذ لا يمكن لامرأة حقيقية أن تسرد سيرتها الذاتية دون أن تحكي عن شغلها اليومي تقول ( كانت نازنين قد تعلمت كلمتين باللغة الإنجليزية ( آسفة وشكرا ) ، وكان يجب عليها اليوم أن تواصل تجهيز وجبة العشاء للضيف الهام القادم مع زوجها ، لحم الضأن بتوابل الكاري بالطماطم والبطاطس الطازجة ، ودجاجة كانت عندها في الفريزر وما زال أمامها تجهيز العدس والسلاطة وصحن التوابل وغسل الأرز وإعداد الصلصة من أجل السمك الذي سيحضره زوجها معه ، سوف تقوم بشطف الأكواب ومسحها جيدا لكي تلمع ، ومفرش الطاولة عليه بعض البقع يجب إزالتها ، ماذا يحدث لو ساء الأمر ؟ فربما يتعجن الأرز ، وربما تضع الملح بزيادة في العدس وربما ينسي زوجها السمك )

    تحرص الكاتبة أيضا أن تبرز أهمية العامل الديني في حياة المسلمين من التركيز علي مواقف أداء الصلاة وتلاوة القرآن الكريم وارتباط المسلم الدائم بالدعاء وحضور البعد الديني في نفسه في كل المواقف .

    وتركز علي قضيتها المحورية وهي أزمة الهوية لدي المسلم القادم من مجتمع فقير وبسيط ـ ولا نقول متخلف ـ عندما ينتقل لمجتمع غربي وأزمته تجاه تيار الحضارة الغربية الكاسح وخاصة بالنسبة للجيل التالي من الأبناء ، وقد أبرزت نماذج متعددة ومختلفة في ردة فعلها فهناك شباب وفتيات سحقهم التيار وانجرفوا في أسوأ أشكال السلوك الغربي ، وهناك من قاوموا ذلك بالتشدد وتكوين تنظيم يحتمون به من انهيار الهوية الإسلامية يتواصون من خلال اجتماعاته بالالتزام الديني .

    أما بالنسبة للكبار أو الجيل الأول فإنه ممزق بين الحنين للوطن والاستسلام للتيار
    وتعبر البطلة ( نازنين ) عن الحيرة والانتظار والتسليم بالأمر الواقع والمحافظة علي الهوية بطرقها الخاصة ، أما زوجها ( شانو ) فهو يقاوم بالحديث الدائم عن بلاده وعراقتها ومفاخرها وفضلها علي الحضارة الغربية نفسها وبمحاولته الدائبة الحصول علي شهادات وتعلم مهارات جديدة للحصول علي وضع أفضل في مجتمع يقدر الكفاءة ثم التزلف لمديره ( الدكتور آزاد ) لينال الترقية في عمله ، ولكن الرسالة الحقيقية وغير المباشرة تأتي علي لسان زوجة الدكتور آزاد التي أصبحت تبدو كامرأة غربية وتعيش هي وابنتها حياة انسلخت فيها تماما عن جذورها وهي تواجه شانو بقولها ( لماذا تجعل الأمر معقدا علي هذا النحو ؟ هذا الاستيعاب وذلك الاغتراب ! دعنى أقل لك بضع حقائق بسيطة . حقيقة : نحن نعيش في مجتمع غربي ، حقيقة : أطفالنا سوف يتصرفون أكثر و أكثر مثل الغربيين ، حقيقة : هذا ليس شيئا سيئا ، ابنتي حرة في الذهاب والمجئ ، هل أتمني لو كنت استمتعت بنفسي مثلها عندما كنت صغيرة ؟ نعم ! )

    تقول الرواية إذا كنت تفضل بلدك ووطنك وحضارتك فلماذا تركتهم ورحلت ؟ وإذا كانت الحضارة الغربية لا تعجبك لماذا تعيش في ظلها؟ وإذا فضلت العيش في بلادها لماذا تصر علي عدم التكيف معها ؟ مع أنه الحل المنطقي !

    ولذلك حظيت بالرواج والإقبال لأنها تطلب ببساطة أن يكون الناس علي دين ملوكهم ، ويتصرفون وفقا لقيم وتقاليد البلد الذي يعيشون فيه ويرمون وراء ظهورهم الوطن والحضارة والثقافة والدين والهوية المختلفة ، وفي هذه الحالة لن تنشأ أزمة المآذن في سويسرا ، أو النقاب في فرنسا ، أو الرسوم المسيئة في الدانمرك .

    أدركت ( نازنين ) أنها وزوجها ( شانو ) يقاومان الذوبان والمسخ بطرق مختلفة هو يقاوم للخارج ، بالكلام والمحاولات العملية وتلقين الأبناء حضارتهم ولغتهم ، وهي تقاوم للداخل باللجوء للصلاة والقرآن والدعاء ويشتركان معا في حلم العودة للوطن ببعض المال وبأبناء صالحين .

    ( شانو ) رجل يشبه الضفدع فهو يعيش في بركة ضحلة يقاوم السقوط في وحلها ولا يملك في سبيل ذلك سوي النقيق ومحاولات القفز خارجها فهل ينجح ؟

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 6:36 am